يعد «الجامع الصحيح» للإمام محمد بن إسماعيل البخاري أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى، وأجمعت الأمة على تلقيه بالقبول، ولم يلق كتاب- بعد كتاب الله– العناية التي أولتها الأمة لهذا الكتاب، من حفظ ونشر وشرح وتدريس وتلخيص ودراسة.
وتأتي هذه الدراسة: «ملامح الفكر التربوي عند الإمام البخاري من خلال كتابه الجامع الصحيح»، التي أعدها علي إبراهيم سعود العجين، أستاذ مساعد في الحديث النبوي الشريف وعلومه، بجامعة آل البيت في الأردن، لتجلية الفكر التربوي لدى هذا الإمام البخارى، والبحث في آراء البخاري وتصوراته التربوية في كتابه هذا، والأحاديث الواردة فيه.
مصادر الفكر التربوي عند الإمام البخاري
الفكر التربوي المقصود عند الإمام البخاري في هذه الدراسة: مجموعة الآراء والنظريات التي احتواها كتاب (العلم) من (الجامع الصحيح)، مما يتعلق بالقضايا والمفاهيم والمشكلات التربوية، وقد اعتمد الإمام البخاري في فكره التربوي على مصادر، وهي على النحو الآتي:
- القرآن الكريم.
- السنة النبوية.
- أقوال الصحابة رضوان الله عليهم.
- أقوال التابعين والأئمة من بعدهم.
ميزات الفكر التربوي عند الإمام البخاري
- الاعتماد على صحيح الحديث النبوي، فبنى فكره على أساس متين.
- وليد تجربة تربوية حافلة، مارسها تلميذًا وشيخًا.
- شموليته وترابطه، فالقضايا التربوية التي ناقشها الإمام البخاري، شاملة لكل جوانب العملية التعليمية، بترابط محكم بين كل باب من أبواب كتاب «العلم» والكتاب الذي يليه.
- فهو يذكر الأهداف التربوية من خلال ما بدأ به وهو الباب الأول: «فضل العلم»، ثم ينتقل التي آداب العلم فيبوب بها الباب الثاني: «من سئل علمًا وهو مشتغل في حديثه»، ثم يتحدث عن البيئة التعليمية الناجحة، وذلك من خلال الباب الثالث: «من رفع صوته بالعلم».
- ويتطرق إلى البيئة التعليمية الناجحة في الباب الحادي عشر: «ما كان النبي ﷺ يتخولهم بالموعظة والعلم كي لا ينفروا». ويتناول: أوقات التعليم في الباب الثاني عشر: «من جعل لأهل العلم أياما معلومة»، كما يذكر بدافعية العلم بقوله في الباب الثالث عشر: «من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين»، ويربطه بموضوع الفهم، إذ يعنون الباب الرابع عشر بـــ: «الفهم في العلم»، ثم بحاجة طالب العلم للرحلة في طلبه، فيذكر في الباب السادس عشر: «ما ذكر في ذهاب موسى ﷺ في البحر إلى الخضر».
- وينتقل التي مصدر العلم في الباب السابع عشر: قول النبي ﷺ: «اللهم علمه الكتاب».
- ويخصص الباب الثامن عشر لتعليم الصغار: «متى يصح سماع الصغير»، ويعود إلى التذكير بأصناف المتعلمين من حيث تأثرهم بالعلم في الباب العشرين: «فضل من علم وعلم»، محذرًا بعد ذلك من خطورة رفع العلم وظهور الجهل، كما في الباب الحادي والعشرين: «رفع العلم وظهور الجهل».
- ثم ينتقل التي الوسائل التعلمية بقوله في الباب الرابع والعشرين: «من أجاب الفتيا بإشارة اليد والرأس»، ثم وجوب تبليغ العلم بقوله في الباب الخامس والعشرون: «تحريض النبي ﷺ وفد عبد القيس على أن يحفظوا الإيمان والعلم ويخبروا من وراءهم»، وينتقل إلى الباب السابع والعشرين: «التناوب في العلم»، وهو مصطلح تربوي انفرد به الإمام البخاري.
- ويتحدث عن الغضب في التعليم عند الحاجة إليه، فيقول الباب الثامن والعشرين: «الغضب في الموعظة والتعليم إذا رأى ما يكره». وبعد ذلك ينتقل التي موضوع تعليم المرأة بقوله في الباب الحادي والثلاثين: «تعليم الرجل أَمَته وأهله، وعظة الإمام النساء وتعليمهن». ويُذكر بدافعية التعليم بقوله في الباب الثالث والثلاثين: «الحرص على الحديث».
- ويعود التي بيان خطورة تفشي الجهل بقوله في الباب الرابع والثلاثين: «كيف يقبض العلم»، ثم يكرر وجوب تبليغ العلم، وينتقل إلى أمر خطير ينبغي التنبه إليه عند تبليغ العلم، وهو الكذب في العلم، فيقول في الباب الثامن والثلاثين: «إثم من كذب على النبي ﷺ».
- وحتى لا يقع في الخطأ والكذب في العلم يذكر أدوات العلم، فيقول في الباب التاسع والثلاثين: «كتابة العلم». ثم يتطرق لموضوع أوقات التعليم وخاصة في الليل فيذكر في الباب الأربعين: «العلم والعظة بالليل».
- ويتناول البخاري موضوع مراعاة الفروق الفردية في التعليم بقوله في الباب الثامن والأربعين: «من ترك بعض الاختيار مخافة أن يقصر فهم بعض الناس عنه». ويخصص الباب التاسع والأربعين لـ: «من خص بالعلم قومًا دون قوم كراهية أن لا يفهموا». وينتقل إلى ذكر العوائق النفسية التي تمنع العلم بقوله في الباب الخمسين: «الحياء في العلم»، ويذكر أماكن التعليم بقوله في الباب الثاني والخمسين: «ذكر العلم والفتيا في المسجد». ويختم كتاب العلم بالباب الثالث والخمسين الذي خصصه لـ: «من أجاب السائل بأكثر مما سأله، تنبيهًا على سعة العلم». وكأن لسان حاله يقول: إن العلم واسع، وهذه أسس التعليم ومبادئه قد ذكرتها في كتاب «العلم».
الأهداف التربوية
رسم الإمام البخاري أهدافه التربوية من منطلق توحيد الله تعالى، فبؤب الباب العاشر تحت عنوان: «العلم قبل القول والعمل»؛ لقوله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ}، (محمد: 19)، ويمضي في تفصيل الأهداف بقوله: «ومن سلك طريقا يطلب به علمًا سهّل الله له به طريقًا التي الجنة»، ومن أهدافه العليا ما جاء في قوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} (فاطر: 28)، بل العلم من أسباب النجاة من النار، فيقول الله تعالى: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} (الملك: 10)، فالغاية النهائية للتربية الإسلامية هي تحقيق العبودية لله في حياة الإنسان الفردية والجماعية، وهذا ما أوضحه الإمام البخاري ضمن رؤيته التربوية. ويدخل في ذلك عدد من الأهداف من أهمها:
- العلم أساس في صحة القول والعمل.
- العلم سبب للوصول التي الهداية.
- إنقاذ الناس من الضلالة بالعلم.
- تحقيق الخيرية والسمو والرفعة للإنسان.
- تحقيق التقدير الذاتي للإنسان.
- التربية الإسلامية تربي الفرد تربية عقلية سليمة.
- تحقيق السيادة والريادة الفردية والجماعية.
مواصفات المربي وآدابه
يضع الإمام البخاري مواصفات عالية، وآداب رفيعة يُلزم المربي أن يلتزم ها وهي:
- أن يكون ربانيًا في هدفه وسلوكه وتفكيره.
- اتصافه بالعلم.
- الصبر والرفق.
- التيسير والتبشير.
- التواضع.
- التدرج في التعليم.
- مراعاة الفروق الفردية.
- نشر العلم وعدم كتمانه.
- الحكمة ومراعاة نتائج التعليم.
- استعمال الأساليب التفكيرية مع المتعلم.
.