القرآن الكريم هو المصدر والمنهج والنبراس للمسلم في حياته، والارتباط والتعلق به سمة الصالحين، وعليه فإن التربية على الارتباط بالقرآن قراءةً وتدبرًا وفَهمًا وتخلقًا وعملًا من الواجبات الرئيسية للآباء والمربين مع أبنائهم وتلاميذهم.
فعن عثمان بن عفان- رضي الله عنه- عن النبي ﷺ أنه قال: «خيرُكم مَن تعلَّم القرآنَ وعلَّمه».
والتعلم هنا يشمل كل درجات الارتباط بالقرآن بداية من القراءة وانتهاء بالعمل.
وفي هذا التقرير نتناول كيفية تربية الأبناء على تلاوة القرآن الكريم والالتزام بذلك.
كثير من الأبناء أولئك الذين أتموا حفظ كتاب الله تعالى في الحلقات القرآنية، أو حفظوا جزءًا كبيرًا منه ثم هم لا يواظبون على تلاوته؛ وليس لهم ورد يومي من كتاب الله ملتزمين به، وكثير ممن لم يحفظوا كذلك، لماذا يهجر هؤلاء الطيبون الأخيار كتاب الله وهم يحبونه ويدعون إليه ويدافعون عنه ويتحاكمون إليه؟
تساؤلات عدة في هذا الإطار يستحي كثير من الشباب الأخيار أن يسألوها أنفسهم أو يسألوها معلميهم، نحاول أن نعالجها لهؤلاء الفتية الأخيار، والتي ربما أورثتهم إحباطًا في طريق استقامتهم.
صفة قراءة النبي ﷺ والصحابة والتابعين
لخص ابن القيم صفة قراءة النبي ﷺ؛ فأما عن ورده اليومي وملازمته لتلاوة القرآن الكريم فقال: كان له ﷺ حزب يقرؤه، ولا يخل به، وكان يقرأ القرآن قائمًا وقاعدًا ومضطجعًا، ومتوضئًا ومحدثًا، ولم يكن يمنعه من قراءته إلا الجنابة.
وأما عن صفة قراءته ﷺ للقرآن الكريم فقال: وكانت قراءته ترتيلًا: لا هذًا ولا عجلة.
وكان من هديه ﷺ أن يتدبر فيما يقرؤه ويتفكر فيه، وكما ثبت من حديث حذيفة رضي الله عنه أنه كان يقرأ مترسلًا إذا مر بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ، وقد تبعه الصحابة الكرام السلف في ذلك.
فيقول الإمام النووي في كتابه «التبيان في آداب حملة القرآن: «وكان السلف- رضي الله عنهم- لهم عادات مختلفة في قدر ما يختمون فيه.
- منهم من كان يختمه كل شهرين.
- ومنهم من يختمه كل شهر.
- ومنهم من كان يختمه كل عشرة ليال.
- ومنهم من كان يختمه كل ثماني ليال.
- والأكثرون يختمونه كل سبع ليال: كعبد الله بن مسعود، وزيد بن ثابت، وأبي بن كعب، وعلقمة، وإبراهيم النخعي، وغيرهم.
- ومنهم من كان يختمه كل ست ليال، أو خمس، أو أربع.
- وكثيرون يختمونه في ثلاث ليال.
- ومنهم من كان يختمه في ليلتين.
- وكثيرون يختمونه كل يوم وليلة: منهم عثمان بن عفان، وتميم الداري، وسعيد بن جبير، ومجاهد، والشافعي.... إلخ.
أي الختمات أفضل؟
بعد سرده السابق يقول: «والاختيار أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص، فمن كان يظهر له بدقيق الفكر لطائف ومعارف، فليقتصر على قدر يحصل له به كمال فهم ما يقرؤه، وكذا من كان مشغولًا بنشر العلم أو غيره من مهمات الدين ومصالح المسلمين العامة؛ فليقتصر على قدر لا يحصل بسببه إخلال بما هو مرصد له، وإن لم يكن من هؤلاء المذكورين فليستكثر ما أمكنه من غير خروج إلى حد الملل».
إذن.. ليس في المسألة قولًا واحدًا بالأفضلية، وإنما حال الإنسان وظرفه لهما الاعتبار الأقوى بالأفضلية، ولا سيما أنه لم يرد نص صريح بذلك.
مقترح في التربية على تلاوة القرآن الكريم
واقترح بعض التربويين طريقة في تربية الأبناء على تلاوة القرآن الكريم كالتالي، برنامج التربية على التلاوة اليومية:
وهي قصيرة جدًا: يتلو الطالب كل يوم نصف حزب من القرآن الكريم، أي ما يعادل خمس صفحات، وهذا يعني أنه سيختم القرآن تلاوة في أربعة أشهر، أي: بمعدل ثلاث مرات في العام الواحد، ويستمر على هذه الحال لسنتين فقط، ويكون لهذا البرنامج مستلزماته المعدة له: كوقته، ووسائل متابعته، وحوافزه... إلخ.
ولا يستقل هذا القدر، فإنما هو بداية الطريق، وقليل دائم خير من كثير منقطع، وهذه الطريقة سيستفيد الطالب منها قيمةً تربوية، وهي الالتزام. كما سيتهيأ بعدها للارتقاء المتدرج فيطلب بنفسه أن يكون ورده اليومي أكثر من نصف حزب.
ويتم الارتقاء بعد التأكد من نجاح الطالب في الالتزام بورده اليومي إلى تلاوة حزب واحد من القرآن الكريم في كل يوم، أي ما يعادل عشر صفحات، وهذا يعني أنه سيختم القرآن كل شهرين، وهذا عين ما كان عليه كثير من الصالحين، ويستمر على هذه الحال لسنتين أخريين، وهو ما يعني أنه سيختم القرآن في هاتين السنتين اثنتي عشرة ختمة، وهذا إنجاز كبير في العمل التربوي، حيث سيكون لدينا شريحة من الشباب يعيشون مع القرآن كل يوم بمسؤولية شخصية ورقابة داخلية.
ويحتاج هذا الهدف التربوي من المربي إلى تنظيم إداري، لنضمن الحد الأدنى من النجاح. وأيًا ما كانت الجدولة الزمانية للورد اليومي؛ فإن المقصود هو التدرج في الاستكثار من التلاوة والالتزام بقدر معين من القرآن يوميًا، وجعل ذلك هدفًا تربويًا.
.