أبناء الطلاق.. من يداوي الجرح

كتب: حنان عطية

يصبح فى أحيان ليست قليلة علاجا لا مفر منه للعلاقات الزوجية التي تصل إلى  طريق مسدود في التفاهم والتواصل والاستمرار، ويعتبره البعض علاج الطبيب الذى يسعى إلى  إنقاذ ما يمكن إنقاذه من بقايا الأسرة من النفق المظلم، ورغم إن الطلاق علاج للعلاقات المتأزمة إلا أنه يفرز مجموعة من التأثيرات السلبية على كل الأطراف بما فيها الأبناء.

 

وتؤكد سوسن شاكر مجيد كاتبة تربوية أن الطلاق مشكلة اجتماعية ونفسية خطيرة يعاني منها مجتمعنا العربي خاصة والإسلامي عامة، إذ أنه ينهي الزواج والوحدة الأسرية التي تكون نواة لوحدة المجتمع. وفي الوقت الذي أباح فيه الإسلام الطلاق وأعطى الحرية للمسلمين في ممارسته إلا أنه جعله مكروها ومبغوضا وجعل رخصته من أشد الرخص كراهية، وأشار إلى  خطره وعدم الإسراف فيه، وحث المسلمين على اتقائه ما استطاعوا إليه سبيلا.

وقال الكثير من الفقهاء إن الطلاق أصله الحظر والمنع ومن ثم لايجوز الإقدام عليه إلا لسبب مشروع. ووضع القران الكريم في آياته الخاصة بالطلاق مراحل لتحاشيه قبل وقوعه ليكون العلاج الأخير لحياة زوجية أصبح الاتفاق بينهما مستحيلا.

ونال موضوع تنظيم العلاقة بين الرجل والمراة وتكوين الأسرة اهتمام المفكرين منذ زمن بعيد فنجد في كل من الشرائع والقوانين والأخلاق فصولا واسعة لتنظيم هذه العلاقة وضمان وجودها واستمرارها. واهتم رجال الدين والفكر وعلماء الاجتماع والنفس بهذه العلاقة.

أثار مستقبلية

ويترتب على الطلاق بعض المشكلات والاثار السلبية التي تنعكس على الأطفال  من الناحية النفسية والاجتماعية والتربوية بدء من الاضطرابات النفسية إلى  التشرد والانحراف والجريمة وغير ذلك. وتتعدد المتغيرات المرتبطة بظاهرة الطلاق بين اجتماعية، واقتصادية، وثقافية، ونفسية، وتربوية. وبنفس مقدار التعدد في هذه المتغيرات والعلاقات المتشابكة بينها تتعدد وجهات النظر إلى  هذه الظاهرة وأسبابها.

فالطلاق له أثره الكبير على شخصية ونفسية الأطفال مستقبلا، لأن الأطفال  هم أكثر الفئات تأثرا وقت الأزمات بسبب عدم اكتمال تطورهم النفسي والاجتماعي والإدراكي والجسدي، وأن تلك الأزمات والظروف تشكل عبئا يفوق مقدرة الطفل على التحمل فتظهر عليه معالم المعاناة النفسية. فحرمان الطفل من رعاية الأم وخاصة في مرحلة الطفولة لايؤدي إلى  سوء التكيف الاجتماعي فحسب وإنما يسبب له القلق وعدم الشعور بالأمان وعدم الاكتراث بمشاعر الأخرين فضلا عن تميز سلوكه بالعنف والعداء تجاه الأخرين وصعوبة إقامة العلاقات الاجتماعية مع الأخرين مما يؤدي به إلى  الانسحاب من المجتمع والشعور بالضياع والحزن والأسى الذي يعود بالضرر على شخصية الطفل مستقبلا.

حتى الانتحار..

وقد أنتجت بي بي سي فيلما وثائقيا بعنوان "أبناء الطلاق" تطرق لحالات أبناء ثلاث عائلات مرت بتجربة انفصال الوالدين لكشف آثارها على نفسية الأبناء، وكشف الفيلم كيف بلغ أحد الأطفال  التي أصيبت عائلته بمصاب الطلاق، وهو طفل في العاشرة من عمره، درجة محاولة الانتحار.

وأكدت دراسة أعدتها الأكاديمية الأمريكية للصحة النفسية للأطفال والمراهقين، أن الأطفال  يشعرون بالخوف والارتباك نتيجة إحساسهم بأن الطلاق يهدد أمنهم. وقد يعتقدون خطأً أنهم السبب وراءه. إضافة إلى  ذلك، قد يشعر العديد منهم أن عبء إعادة العلاقة بين الأبوين يقع على عاتقهم، مما يزيد من الضغط النفسي عليهم.

وأضافت الدراسة أنه قد يتسبب الطلاق في معاناة الأبناء الكثيرَ من الأعراض العضوية والنفسية والتربوية التي يرتبط حجمها وأثرها بشكل كبير بالطريقة التي يتم الانفصال بها، ومدى مصارحتهم بالعزم عليه قبل إتمامه بوقت كاف، والتأكيد على أنهم ليسوا السبب فيه ولا يتحملون مسؤوليته والتشديد على أن الطلاق لن يؤثر على مقدار الحب الذي سينعمون به من كلا الأبوين.

وقد أوضح اختصاصي علم النفس د. محمد مصالحة أن هناك الكثير من المشاعر التي سيمر بها من ذاق هذه التجربة المريرة، وأولها الصدمة، خاصة إذا لم يكن حدوث الطلاق متوقعا. وكذلك الغضب وربما يكون موجها للوالدين سخطا على هذا القرار، أو على الجميع وهو كرد فعل عما يجري حوله وما يصيب الأبناء من مشاعر حزن.

وفى دراسة للدكتور رياض العاسمي أستاذ العلاج النفسي، كلية التربية، جامعة دمشق

أكد أن الطلاق له تأثيرات ذات ضغوط سلبية على الوالدين والأطفال.  ويعتبر  الطلاق المسبب الثاني للضغط عند الأطفال  بعد موت الوالدين، وسبباً للضغوط النفسية على الطفل أكثر من موت صديقه.

 

أثار سلوكية وانفعالية

والمشكلات التي قد يواجهها الطفل نتيجة للطلاق تتضمن مشكلات سلوكية، أكاديمية، انفعالية، واجتماعية تؤثر على كل سمات الشخصية للطفل. بالإضافة إلى  أن هؤلاء الأطفال عادة ما يعانوا من مشكلات سلوكية في المدرسة، وضعف في التحصيل الدراسي، وسوء العلاقات الاجتماعية، والخوف من المدرسة.

وقد رصدت دراسات مختلفة ردود فعل متطابقة للأعمار المختلفة للأطفال بالنسبة لطلاق الوالدان كانت كالتالى:

 - حديثي الولادة والرضع من 2-5 سنة : لوحظ عليهم حالات تأخر في الكلام، والشعور بالغربة أثناء زيارة الأب أو الأم غير الحاضنين، وأصبحت أجواء المنزل أقل تعارفاً وأقل تحفيزاً على إقامة علاقات اجتماعية.

- مرحلة الحضانة 3-5 ارتباك في الهوية، وأفكار لا عقلانية، الشعور بالذنب واللوم. تراجع في النمو، قلق تفريقي (التصاق بالبالغين)، زيادة العدوانية، انخفاض التواصل بين الطفل والبالغين والتحفيز المعرفي، انخفاض القدرة العقلية والتحصيل في الدراسة.

- أطفال المرحلة الابتدائية 5-9 :حزن عميق، وآمال لإعادة لم الشمل، والخوف من إمكانية الاستغناء عنهم، ورفض (الطعام – المال. ... الخ). وانخفاض التحصيل، ومستويات أقل عن أقرانه في المهارات الاجتماعية والتعارف، وزيادة العنف والتمثيل.

- أواخر المرحلة الابتدائية 9-12 غضب عارم، حزن، كآبة، زيادة الاندفاع مثل (الكذب، الغش، السرقة) مشاعر بالوحدة والعزلة، شكاوى نفسية، الخوف من المدرسة.

- المراهقين 12-18 أكثر اعتماداً على نفسه، مشاعر كآبة تتبعها العزلة، غضب، بعض الأوقات مصحوب بعنف، خسارة التحكم في النفس يؤدي إلى  استقلال غير ناضج أو إشراق أقل ينتج عنه زيادة التصرفات الخطرة.  

واثبتت العديد من الدراسات إلى  أن الحرمان النفسي من الأم أو الأب، وانعدام الحب المتبادل بين الطفل ووالديه، وإبعاد الطفل عن جو الأسرة الذي يوفر الأمن والطمأنينة، والانفصال والتفكك الأسري يؤدي إلى  الجنوح أو الانحرافات السلوكية مستقبلا. وأن الطفل الجانح يعجز عن تعلم العوامل التي تساعده على مسايرة قيم المجتمع وأخلاقه ويعجز عن صد العدوان ويستمر في صراعه مع المجتمع.

ويرى باحثون نفسيون وتربويون أنه مهما كان التنافر قائم بين الوالدين فإنه من الأفضل أن تظل الأسرة قائمة لأن الأطفال  في حاجة إلى رعاية لايمكن لأية جمعية أو منظمة أن تعوض الطفل حنان الأم أو عطف الأب وخصوصا في السنوات الخمس الأولى من حياته.

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم