خلق الله الخلق وأوجدهم لغايات عظيمة، وهى عبادة الله تعالى، وقد ربى الرسول صلى الله عليه وسلم صحابته على خير نهج وأقوم طريق، وسار مسارهم الرعيل الأول.
ولذا كان من المقتضيات العظيمة فى المنهج القويم رفعة إيمان العبد، وصلاح قلبه، فكانت هذه الدراسة التى أعدها الدكتور سعيد محمد ثابت، للمساهمة فى بناء جيل يحمل هم الأمة، وهو يُعنى بالتربية الإيمانية للمراهق، الذى يتراوح عمره بين 13-21 عاماً، لكونه السن المفصلى فى حياة الإنسان، وعليه قامت الشعوب، وبه سارت الدعوات.
التربية الإيمانية
هى الإرتقاء بأحوال المسلمين الشباب على وجه الخصوص، وتغذية شجرة الإيمان فى قلوبهم، وبالنظر إلى طريقة القرآن فى الإيمان بالآخرة وكيف كان أثر ذلك فى قلوب الصحابة، نجد أن القرآن المكى يقرر ويكرر أمور الآخرة حتى صار الصحابة كأنهم يعاينون الآخرة، فهانت عليهم أنفسهم وبذلوا جميع ما يملكون طلباً لجنة الله تعالى، وأخرجت السنة النبوية أجيالاً تناطح هامات السحاب بإيمانها العظيم، فقد كان النبى صلى الله عليه وسلم يتخول الصحابة بمواعظه من حين إلى آخر كما أثر عن ابن مسعود، وفى هذا دلالة على أمرين:
أولاً: حضور الموعظة فى المجتمع بشكل متواصل، وثانياً: أن للموعظة مزايا واضحة، يميزونها عن غيرها، فأصبحت تجرى فى دمائهم حتى أصبح الواحد منهم يقول لأخيه: اجلس بنا نؤمن ساعة، فيجلسون يذكرون الله عز وجل.
مع أنهم أبر الأمة قلوباً وأصدقها ألسنة، وقد قال ابن مسعود رضى الله عنه للتابعين يوماً: "لأنتم أكثر عملاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنهم كانوا خيراً منكم، كانوا أزهد فى الدنيا وأرغب فى الآخرة". ويدل هذا الأثر على مكانة وعظ الرسول منهم، وترقيته لصلاح قلوبهم.
وهذا وغيره، يؤكد على أن التربية الإيمانية ضرورة قائمة فى حق المربين، وحق كل مسلم يطمح فى الارتقاء بنفسه فى درجات الخلد.
أهمية التربية الإيمانية
الأول: الإيمان هو أفضل الأعمال، فعن ابي هريرة رضي الله عنه أن: "رسول الله صلي الله عليه وسلم سئل أي العمل أفضل، فقال: إيمان بالله ورسوله قيل ثم ماذا قال: الجهاد في سبيل الله، قيل ثم ماذا قال: حج مبرور".
الثاني: الإيمان مناط النجاة يوم القيامة، عن أبي هريرة ري الله عنه قال، قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "لا تدخلون الجنة حتي تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أولا أدلكم علي شيء اذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم".
الثالث: تفاوت الناس يوم القيامة علي أساس الإيمان وهذا، يتفاوت من ميدان إلى ميدان، فمثلا أهل الجنة يتفاوتون فيما بينهم من درجات وكذلك أهل النار يتفاوتون فيما بينهم من دركات.
الرابع: الإيمان هو الأساس والأصل في التربية الإسلامية.
الخامس: الإيمان هو الزاد للمرء في مواجهة الشهوات.
السادس: قوة الإيمان هو العلاج الأنجح لكثير من المشكلات، فمثلا (قسوة القلب، الفتور، العناية بالعبادات...) وغيرها من المشكلات لا يعاجها إلا قوة الإيمان.
السابع: قوة الإيمان هي أهم ما يعين المرء على الثبات على دين الله، خاصة ونحن اليوم نعاني من كثير من حالات التقهقر والتراجع، لذا فحين سأل هرقل أبا سفيان عن أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قال: وسألتك أيرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه فذكرت أن لا، فكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب".
الثامن: قوة الإيمان هى أقوى حاجز بين المرء وبين مواقعه الحرام والمعاصى، وحتى حين يواقعها العبد، فالمؤمن هو أقدر الناس على الإقلاع والتوبة.
التاسع: الشباب فى مرحلة المراهقة يعيش قوة وفراغاً، ولذا فاغتنام ذلك فى العبادة أمر فى غاية الأهمية، والله يعجب من شاب ليست له صبوة.
العاشر: إننا فى آخر الزمان، وقد عُرف فضل العبادة والالتزام بالدين، فيجب على المربين الاهتمام بالتربية الإيمانية.
أسس التربية الإيمانية
المقصود بالأسس: الأصول السليمة التى يبنى عليها منهج التربية الإيمانية، فلا تقوم التربية الإيمانية بدونها، وينحرف سيرها إذا فقدت إحداها، وعلى القائمين بالتربية الإيمانية الاهتمام بهذه الأسس قبل أى شئ آخر، والتأكد من ثبيتها فى قلب كل متربٍ ومتعلم.
ولقد كان من أهم أسباب الخلل الحادث فى التربية الإيمانية إهمال أحد جوانبها الأربعة التالية:
1- العقيدة: هى الأساس الذى ينبنى عليه المنهج التربوى لتطهير القلب، وتزكية النفس، ومن مفاهيم العقيدة: معرفة الله تعالى وترجمة معنى لا اله الا الله، ومعرفة مداخل الشرك والنفاق إلى القلب، وتأصيل الولاء والبراء، وضبط سلوكيات النفس على ما جاء به الشرع المطهر.
2- العلم: والمقصود به هنا العلم الشرعى أو ما يزيد قربه من الله، فإذا الشاب وجد منهجاً علمياً واضحاً بيتاً متكاملاً قل خطؤه، وعظم فقهه، توسعت مداركه وأدرك أهمية الشريعة، وعرف مقتضاها، وعمل بها.
3- العبادة: وهى التطبيق العملى لجميع المعلومات النظرية التى يتلاقها القلب والعقل، فإما أن يعمل الإنسان بما علم فيحسن عمله فتقبل منه عبادته ويرقى فى مقامه عند ربه، وإما ألا يعمل بما علم فلا تقبل منه أعماله فيسقط عن ربه.
4- الذكر: هو أساس عظيم إذ يستوى فيه جميع الناس من حيث القدرة، ولذا نرى عظم تواتر الأمر بالندب له فى الكتاب والسنة، وشدة ملاصقته لحياة المؤمن فى يومه وليلته، والذكر من أجل الأعمال وأعظمها عند الله، وبه تختم العمال الصالحة، ويفتتح به العبد يومه ويختتمه به، ويكون حفظاً وحرزاً من كل شر ومكروه.
أهداف التربية الإيمانية
الهدف العام للتربية الإيمانية، هو تعاهد الإيمان فى نفوس الناشئة والسعى لتنميته وزيادته، وتعميق معانى الإيمان والارتقاء بالقلوب حتى تجد حلاوة الإيمان، وتحب طاعة الرحمن، وتناى عن الفسوق والعصيان.
وتتمثّل الأهداف الفرعية للتربية الإيمانية فى الآتى: تقوية تعظيم الله فى النفوس، والاعتناء بتلاوة القرآن الكريم وتدبر آياته، التفكر فى مخلوقات الله سبحانه، تحرير القلب من التعلق بغير الله، تقوية التقوى فى النفس، وتقوية المراقبة لله تعالى فى النفوس، والعناية بأعمال القلوب والفرائض والسنن، وتعظيم حرمات الله واجتناب المعاصى، والورع واحتناب الشبهات.
وسائل عامة فى التربية الإيمانية
وتتمثّل فى الآتى: العناية بالقرآن الكريم حفظاً وتلاوةً وتدبراً، والتفكر فى المخلوقات، وجلسات الذكر المواعظ والرقائق، والتعاون على أداء العبادات، وتذكر الموت والدار الآخرة، والتنافس والتسابق فى الخير، والقدوة الحسنة، والاعتناء بدراسة سير السلف، والحج والعمرة لمن استطاع مع الرفقة الصالحة.
قواعد فى العبادة
- العبادات توقيفية، الأصل فيها التحريم.
- الإخلاص ومتابعة الرسول، شرطا قبول العمل.
- المواظبة والاستمرار قدر المستطاع.
- ليس المقصود من العبادة مجرد الحركات الظاهرة، وإنما أعمال القلب بالخشوع والتذلل لتحصل التقوى.
- المسارعة فى آدائها وتعويض ما فات منها.
- اغتنام الوقات الصالحة دوما، كالاعتكاف والعشر الأوائل من ذى الحجة.
- احتساب المباحات عبادات قدر المستطاع.
معينات ذاتية على العبادة
- طلب العون من الله.
- المجاهدة، إذ أن العبادة قد تدخلها المشقة.
- التنويع فى العبادة.
- الترويح على النفس وعدم المشقة عليها.
- متابعة النفس فيما تنشط وتحب.
- العيش فى بيئة إيمانية محفزة.
- التعود من سن مبكرة.
- التمعن فى النصوص التى تنص على الترغيب فى العبادة وبعض العمال الصالحة.
- قراءة سير السلف، وأرباب العبادة والتقى.
- حدث نفسك دائماً.. من المحتاج لهذه العبادة؟
- تذكر الأخرة وأهوالها.
- البعد كل البعد عن المعاصى والمحرمات.
- محاسبة النفس.
كيف تربى المراهق إيمانياً
ليكن فى ذهن الداعية المربى أنه إذا عجز عن إصلاح القلوب وتذكية النفوس، فقد عجز عن أهم وظيفة، ومن الوصايا فى التعامل مع المراهقين فى شأن القيام على تربيتهم إيمانياً:
- أن يكون حث المراهق وتوجيهه إلى هذا الجانب عفوياً، وبطرق غير مباشرة ما أمكن.
- مخاطبة عقول المراهقين وأفكارهم، على جانب عواطفهم ومشاعرهم، نظراً لما يتمتع به المراهق من تفتح عقلى، وقدرة منطقية، وحيوية فكرية.
- أن يبدأ المربى فى مناقشة هذا الجانب والتوجيه على ممارسته مبكراً، مع بداية المراهقة أو قبلها.
- توظيف قدرات المراهق فى التأمل والتساؤل والتفكر حول الكون والنفس والحياة.
- استثمار مواقف الضعف والضيق والشدائد والنوازل عند تربية الناحية العبادية.
- التدرج والصعود شيئاً فشيئاً، فيبدأ بالأسس والمهمات، وليجتنب المربى أن يصدر هذا الشاب قبل أن يرسخ فى قلبه معانى الإيمان.
- التلازم بين العلم والعمل ضرورة ملحة، فلا يطغى جانب على آخر، وإذا كان المربى لما يدعوا إليه قدوة صار أمة يقتدى بها.
- ليحذر المربى من حصر المتربين بسياج من حديد عن العالم المحيط، وليكن متوسطً معتدلاً فى تأطير منابع أخذهم.
- لتكن العلاقة بين المربي والمتربى قائمة على الحب فى الله دون مبالغة فى ذلك بشئ من المعاشرة الزائدة، وبذل العواطف الجياشة، إذ ذلك مدعاة لمزالق منها السكوت عن الخطأ وذهاب الأثر التربوى.
.