جواهر كتاب "آداب المعلمين" ترسم مبادئ التعليم والتربية

تعد إن مهنة التربية والتعليم من أعظم وأجل المهن، وكفى شرفا وفضلا لهذا المهنة العظيمة أن خاتم النبيين وأفضل المرسلين - صلي الله عليه وسلم - كان أول من قام بها في هذا الأمة، فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلي الله عليه وسلم قال لها: ))إن الله لم يبعثني معنتا ولا متعنتا؛ ولكن بعثني معلما ميسرا)).

والتعليم والعلم النافع من عمل الإنسان الذي لا ينقطع بعد موته، كما قال النبي - صلي الله عليه وسلم -: (إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من صدقة جارية، أو علم نتفع به، أو ولد صالح يدعوا له).

وكتاب "آداب المعلمين" تصنيف محمد بن سحنون وتحقيق أبى عبد الله عادل بن عبدالله آل حمدان - هو كتاب مفيد  لكل من اشتغل بالتعليم والتربية، وهو عبارة عن مسائل في أبواب التربية والتعليم، كان قد ألقاها علي أبيه سحنون (240ه) رحمه الله الذي كان إماما في المذهب المالكي في بلاد المغرب في وقته.

ولقد أتى محمد بن سحنون على كثير من المسائل المتعلقة بالمعلمين، وما يجب عليهم نحو تعليم الصبيان وتأديبهم، حتى يسلموا من تبعات السؤال عمن استرعاهم الله تعالى عليه، وما يستحب لهم تعليمه للصبيان من غير إلزام، وطرق تعليمهم، وأحكام التأديب والضرب، والمسائل المتعلقة بآباء المتعلمين مع المعلمين.

فالكتاب يعتبر باكورة ما كتب عن طرق التدريس في المدرسة المغربية؛ فهو يعتبر برنامجا عمليا للتعليم الأول، ومع أهميته ومكانته؛ إلا أنه كتاب مهجورا عند كثير من المتخصصين في ميادين التربية والتعليم.

مشاهير المعلمين

وتطرق الكتاب الي ذكر المعلمين السابقين من الصحابة، مثل:

  1. عبادة بن الصامت رضي الله عنه، كان يعلم أهل الصفة القرآن.
  2. أبان بن سعيد بن العاص رضي الله عنه، دفع إليه النبي صلي الله عليه وسلم وردان _ جد الفرات بن يزيد بن وردان لما أسلم ليعلمه القرآن.
  3. مصعب بن عمير رضي الله عنه، هاجر إلي المدينة بعد العقبة الأولى ليعلم الناس القرآن ويصلي بهم.
  4. أبو موسى عبد الله بن قيس بن سليمان الأشعري رضي الله عنه، كان ممن بعثه رسول الله صلي الله عليه وسلم إلى اليمن ليعلم الناس القرآن.
  5. معاذ بن جبل رضي الله عنه، خلفه النبي صلي الله عليه وسلم بعد فتح مكة بها مع عتاب بن أسيد ليفقه الناس في الدين ويعلمهم القرآن.
  6. عمرو بن حزم الخزرجي النجاري رضي الله عنه، استعمله النبي صلي الله عليه وسلم على نجران ليفقههم في الدين، ويعلمهم القرآن.
  7. عبد الله بن سعيد بن العاص الأموي رضي الله عنه، أمره رسول الله صلي الله عليه وسلم أن يعلم الناس الكتابة بالمدينة، وكان كاتبا حسنا.

الكتاتيب

وذكر بن سحنون الكتاب كوسيط تعليمى رئيسي في تعليم الصبيان، وأكد أن كثيرا من الروايات تؤكد وجود الكتاتيب في عهد أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم؛ وذلك بعد الفتوحات الإسلامية التي عمت أقطار الأرض، وذلك لحاجة تعليم أبناء المسلمين القرآن الكريم، واللغة العربية.

وأشار أن الكتاتيب كانت عملا أهليا لا دخل للدولة  فيها؛ حيث ظلت الكتاتيب منذ أنشئت قديما مع ظهور الإسلام نظاما حرا يعتمد على استقلال بعض المعلمين بافتتاح مكاتب للتعليم، وكانت في بعض العصور تعان من ذوي اليسار، أو من الأوقاف التي يحبسها أغنياء المسلمين.

وكانت الطريقة السائدة في معظم الكتاتيب: هي تحفيظ القرآن الكريم؛ بحيث يبدؤون في تلقين الطفل القرآن ثم تعليم الحروف، وما يعين علي تعلم القرآن، ثم تعليمهم أركان الإسلام ومبادئ العلوم والآداب التي تعينهم على تفهم معاني كتاب الله الكريم.

وكان الصبي إذا حذق القرآن وحفظه وأراد إتمام العلم والتعلم؛ فإنه ينتقل إلى مجالسة العلماء في المساجد لتلقي العلم والرواية وإذا رأي العالم الصبي في مجلس العلم والتحديث لم يحدثه حتي يسأله عن حفظ القرآن ويختبره فيه.

كان من هدي السلف الصالح إذا حفظ الصبي القرآن وتخرج من الكتاب؛ صنعوا له وليمة شكرا لله علي توفيقه، وسموا هذه الوليمة: (وليمة الحذاقة)، وهي من الولائم المشهورة المشروعة.

تعليم القرآن

ورأى ابن سحنون أن تعليم القرآن هو المقصد الأول لمفهوم تعليم الصبيان فحدث أبي سحنون، عن عبد الله بن وهب، عن سفيان الثوري، عن علقمة بن مرثد، عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن عثمان بن عفان رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: (أفضلكم من تعلم القرآن وعلمه). وقال: لذا فكما لا بد للناس من أمير يحكم بينهم، ولولا ذلك لأكل بعضهم بعضا، وكما لا بد للناس من شراء المصاحف وبيعها، ولولا ذلك لقل كتاب الله. فإنه لا بد للناس من معلم يعلم أولادهم ويأخذ على ذلك أجرا، ولولا ذلك لكان الناس أميين.

كما نصح المعلم بأن يتوسع في تعليم الصبيان إلي ما وراء القرآن فيتعاهدهم بتعلم الدعاء ليرغبوا إلى الله ويعرفهم عظمته وجلاله؛ ويعلمهم سنن الصلاة؛ مثل: ركعتي الفجر، والوتر، وصلاة العيدين، والاستسقاء، والخسوف حتى يعلمهم دينهم الذي تعبدهم الله فيه، وسنة نبيه صلي الله عليه وسلم، ويعلمهم الصلاة على الجنائز والدعاء عليها؛ فإنه من دينهم، وقال: ولا بأس بالرجل يستأجر الرجل أن يعلم ولده الخط والهجاء.

التعليم في القيروان وغيرها

والقيروان: مدينة عظيمة بإفريقيا، وهي مدينة مصرت في الإسلام في أيام معاوية رضي الله عنه.

ولقد ذكرت المصادر التاريخية أن أول من نشر القرآن والسنة ومبادئ اللغة العربية بين أبناء البربر هم الصحابة رضي الله عنهم والتابعون.

وكان من امتحن على القول بخلق القرآن الإمام سحنون رحمه الله، فأبى أن يجيبهم، وصبر على البلاء حتى أخمد الله فتنتهم وظهرت السنة، وقام سحنون رحمه الله بنشرها والدعوة إليها، ولما ولي القضاء استعان به بعد الله على قمع أهل البدع والأهواء فطردهم من القيروان، وسجن القاضي محمد بن أبي الجواد المعتزلي الذى كان من القائلين بخلق القرآن. وقام بطرد المعتزلة والإباطية من الجامع.

يصف لنا ابن سحنون في كتابه "آداب المعلمين" ما كان عليه التعليم في القيروان في المغرب العربي التي فتحت أوساط القرن الأول للهجرة، فقد كانوا يدرسون الصبيان في المرحلة الابتدائية في الكتاتيب.

وقد كان التعليم في المغرب العربي يهتم بالدرجة الأولى علي تعليم الصبيان كتاب الله تعالى ورسمه وضبطه والمسائل المتعلقة به.

وذكر ابن سحنون أنه مما ينبغي تعليمه للصبيان: الخطابة، والنحو، والخط، والشعر، والحساب، وغيرها.

  • أما أهل المغرب فكان مذهبهم في الولدان الاقتصار على تعليم القرآن فقط، وأخذهم أثناء المدارسة بالرسم ومسائله، واختلاف حملة القرآن فيه؛ لا يخلطون ذلك بسواه في شيء من مجالس تعليمهم؛ لا من حديث، ولا من فقه، ولا من شعر، ولا من كلام العرب، إلى أن يحذق فيه.
  • وأما أهل الأندلس فكان مذهبهم تعليم القرآن والكتاب من حيث هو، فلا يقتصرون لذلك عليه فقط؛ بل يخلطون في تعليمهم للولدان رواية الشعر في الغالب، والترسل، وأخذهم بقوانين العربية وحفظها، وتجويد الخط والكتاب.
  • وأما أهل أفريقيا فكانوا يخلطون في تعليمهم للولدان القرآن بالحديث في الغالب، أكثر مما سواه، وعنايتهم بالخط تبعا لذلك، وبالجملة؛ فطريقهم في تعليم القرآن أقرب إلى طريقة أهل الأندلس.
  • وأما أهل المشرق فكانت عنايتهم بدراسة القرآن وصحف العلم وقوانينه في زمن الشبيبة، ولا يخلطون بتعليم الخط؛ بل لتعليم الخط عندهم قانون ومعلمون له على انفراده؛ كما تتعلم سائر الصنائع، ولا يتداولونها في مكاتب الصبيان.

تأديب الصبيان

وقد وضع ابن سحنون قواعد لتاديب التلاميذ فقال: إنه لا بأس أن يضربهم المعلم علي منافعهم. ولا يجاوز بالأدب ثلاثا إلا أن يأذن الأب في أكثر من ذلك إذا آذى أحدا. ويؤدبهم على اللعب، والبطالة، ولا يجاوز بالأدب عشرة، وأما على قراءة القرآن؛ فلا يجاوز أدبه ثلاثا، "فلا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر أن يضرب فوق عشرة أسواط إلا في حد"، وقد قال بعض أهل العلم: إن الأدب على قدر الذنب.

الهدية للمعلم

وعن الهدية تقدم للمعلم، قال: إنه لا يحل للمعلم أن يكلف الصبيان فوق أجرته شيئا من هدية وغير ذلك، ولا يسألهم عن ذلك. فإن أهدوا إليه على ذلك فهو حرام، إلا أن يهدوا إليه من غير مسألة إلا أن تكون المسألة منه على وجه المعروف، فإن لم يفعلوا فلا يضربهم في ذلك.

وأوضح أن كثيرا من أهل العلم في عهده يحرمون هدايا الطلاب للمعلمين، ولهم في ذلك عدة أوجه:

  1. أن هدايا الطلاب للمعلمين داخلة تحت باب (هدايا العمال).
  2. أن تفوق الطالب وتخرجه من التعليم اليوم قائم على حصوله على الدرجات التي يتحصل عليها باجتهاده، وتمكنه من المادة، وهديته للمعلم قد تكون سببا في أخذه ما لا يستحقه من الدرجات. فهي ذريعة للتهمة بالرشوة.
  3. أن كل من قام بعمل واجب عليه فلا يجوز له أن يأخذ ممن وجب نفعه بذلك العمل مقابلا على ما يقدمه له من المنفعة، فالمعلم إذا كان يأخذ على هذه الوظيفة أجرا من غير المتعلم، فلا يجوز له أن يأخذ من المتعلم هدية، أو أن يطالبه بتقديم خدمة؛ لأنه يؤدي هذا العمل ويقدم هذه المنفعة لقاء ما يتقاضاه من مرتب.
  4. أن المعلم اليوم كالحاكم والقاضي بين الصبيان يحكم بينهم في الدرجات والنتائج بالعدل، ويقضي فيما شجر بينهم؛ ولا يخفى أن الهدية قد تكون سببا قي عدم المساواة بينهم.
  5. فيها مجال للدخول في الريبة والتهمة بكلام الناس بأن هذا الطالب ما ناله من هذا التفوق إلا بسبب تلك الهدية.
  6. أن هذه الهذية إنما سببها غالبا هذه الوظيفة التي هو فيها، فلو أنه قعد في بيت أبيه أو أمه كما جاء في الحديث لما أعطي شيئا.

 

 

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم