Business

ملامح التربية التي ينشدها المسلم

التربية هي المعركة الحقيقة وميدانها هو الكيان الإنساني فالتربية غريزة أساسية وضعها الله -سبحانه وتعالى- في البشر، فنجد الأُمي والمتعلم الجاهل، والمسلم وغير المسلم جميعهم يربي من يعول ولكن السؤال من في هؤلاء يربي في إطار رؤية ومفهوم ، وهل للتربية في المفهوم الإسلامي رؤية متكاملة لتنشئة الأبناء عن طريق تعليم العادات والتقاليد وغرس المعلومات والمعارف، التي من شأنها تجعلهم قادرين على مواجهة الحياة.

وفي هذه السطور نستعرض محددات هذه الرؤية الإسلامية من خلال التعريف بمصادرها وأهميتها وخصائصها.

 

مصادر التربية في الإسلام

وتنقسم مصادر التربية الإسلامية إلي قسمين فقط، لأنها تختلف عن غيرها من الأنظمة التربوية في مصادرها التي تقوم عليها، وهذه الأقسام هي :- الوحي: المتمثل في نصوص القرآن والسنة  والاجتهاد والبحث العلمي : في ضوء القرآن والسنة، ومقاصد الشريعة.

 

التربية وعلاقتها بالتعليم والتدريب والتثقيف:

التـعليــــم:

هو كل معرفة مستندة إلى دليل ويبقى في دائرة المعرفة ولا يؤثر في السلوك. وطالما بقي العلم في دائرة المعرفة والمعلومة ولم يتجاوزها إلى دائرة التأثير في السلوك والتصرف، فمن الخطأ أن نسمي مجرد التعلم والتدارس تربية.

لذلك فإن هناك فرقًا كبيرًا بين الفقيه والمربي والقاضي والداعي، فالأول كل همه تبيان الأحكام وإفهام الناس الحلال والحرام وشرح معاني الإسلام والإيمان والإحسان.

وإن مهمة الداعي المربي أن يأخذ بالأيدي إلى الاستقامة على الطريق وتهذيب النفس وتوثيق الصلة بالله مع بيان الحلال من الحرام والكفر من الإيمان والطاعة من المعصية من خلال التربية وليس بالعلم المجرد؛ ولذلك فإن الفقيه لو جمع بين الفقه والدعوة لجذب الناس إليه ولفتح الله قلوب الخلق على يديه.

 

 

التــدريب:

التدريب هو أحد روافد التربية ويعد أحد أهم المسارات الشهيرة لإكساب الخبرة المهارية، وهو تمثيل الأدوار واستخراج كامن الكفاءات والطاقات الشخصية والوصول إلى أفضل مستوى من الإتقان بحيث يتم العمل في أقل وقت وبأقل جهد، وفي أحسن صورة.

التثقيــف:

يعد التثقيف أحد أهم الخصائص لإكساب معارف، وعملية تثقيف الإنسان المسلم هي إعداده للدخول في المجتمعات المحيطة به فيؤثر فيها التأثير المحمود ولا يتأثر بها التأثير المذموم. وهذا لا يتم إلا عن طريق التربية.

معيار الصلاح:

ميزان الصلاح والخيرية في التربية هو مدى توافق سلوكيات المتربي مع الوحي (الكتاب والسنة) فكلما كان سلوكه مطابقًا للكتاب والسُنَّة كانت التربية صالحة.

محصلة التربية:

نحن نربي؛ لأننا نسعى لإكساب الناس معارف ومهارات تؤثر في سلوكهم، وغيرنا يربي، وتكون حصيلة التربية في الواقع هي محصلة عملنا وعمل غيرنا حسب ما يظهر في سلوك الفرد المستهدف بعملية التربية.

إذن لابد أن ندرك أن ما يحدث على أرض الواقع من تغيير تربوي ليس نتيجة عملنا فقط ولكنه متأثر- لا محالة- بأعمال غيرنا سلبًا أو إيجابًا.

أهمية التربية:

تأتي أهمية التربية من كونها تعد المسلم لمعرفة أحكام الإسلام والتمسك بالقيم، فالإنسان بدون التربية تصبح هذه النفس هالكة و العياذ بالله ، و أما صلاحها بهذه التربية فهو سبيل النجاة و الفلاح ، حيث أن صلاح النفس بالتربية لا ينعكس أثره فقط على الفرد ذاته و لكن ينعكس أيضا على أهل بيته و جيرانه و مجتمعه و بلده و أمته و على الدنيا كلها ، فما العالم إلا مجموعة من أفراد .

وأدل دليل على عظيم أهمية التربية و أثرها على الأمة هو الفترة التي كانت في بداية الإسلام في مكة المكرمة و التي استمرت (13) عاما تربى خلالها (300) رجل على يد النبي صلى الله عليه وسلم ، هؤلاء هم الذين حملوا بعد ذلك على أكتافهم الدعوة و أقاموا صرح الدولة الإسلامية على أساس متين .

بل و انطلق الواحد منهم يؤثر لا نقول في غيره من العشرات أو المئات، بل في بلد كامل كما فعل الصحابي الجليل مصعب بن عمير رضي الله عنه حينما أرسله النبي صلى الله عليه و سلم إلى المدينة، فانطلق بما يحمله من تربية إيمانية رائعة يدعو إلى الله على بصيرة حتى لم يعد بيت من بيوت المدينة إلا و دخله الإسلام.

 

التربية ثابت من أهم ثوابت الجماعة

التربية عند جماعة الإخوان المسلمين من أهم الثابت التي قامت عليها الجماعة فهي تخصص لها قسم تقوم بتفعيلة بشكل كامل تربي فيه جميع أبنائها بداية من الشبل وانتهاء بقادتها.

يقول الإمام البنا : "إذا وجد المسلم الصحيح وجدت معه أسباب النجاح جميعاً ،وذلك بالتربية .وتوحيد أمته ليحقق غايته وهي رضا الله سبحانه وتعالى ".

 

وتعود معظم الأمراض التي تظهر في العمل الإسلامي إلى اختلال التربية من حيث التصور أو الممارسة أو هما معا.

لذلك فإن الوسائل العامة في الدعوات لا تتغير ولا تتبدل ولا تعدو هذه الأمور الثلاثة: الإيمان العميق والتكوين الدقيق والعمل المتواصل.

 

هدف التـربية:

وتستهدف أي جماعة أو حركة من خلال التربية تنشئة أفرادها بإعداد مجموعة من الأفراد يتمثلون مجموعة من القيم يعيشون بها ولها ويحملون على كاهلهم واجب نشر الدعوة وتبليغها والقيام بمشروع النهضة الإصلاحي من أجل استئناف الحياة الكريمة على أسس الإسلام من جديد.

كذلك فإن الهدف الآسمي من هذه التربية، الوقوف في وجه العدو الحقيقي صاحب المبادئ المخالفة لأصول العقيدة ومبادئ الشريعة وسمات الأخلاق الإسلامية.

خصائص التربية:

أن التربية التي ينشدها المجتمع المسلم عامة، وجماعة الإخوان خاصة تستهدف عدة خصائئص تقوم عليها التربية، من خلالها تستطيع تكوين أفراد قادرين على الذود عن كل ما يحاك للأمة، وما يمكر لها من أعدائها، وتتلخص هذه الخصائص فيما يلي:

(1) ربانية:

- يقول الإمام البنا :" أما إنها ربانية فلأن الأساس الذي تدور عليه أهدافنا جميعاً أن يتعرف الناس إلى ربهم وأن يستمدوا من فيض هذه الصلة روحانية كريمة تسمو بأنفسهم عن جمود المادة الصماء وجحودها إلى طهر الإنسانية الفاضلة وجمالها ونحن الإخوان المسلمون نهتف من كل قلوبنا ( الله غايتنا ) فأول أهداف هذه الدعوة أن يتذكر الناس من جديد هذه الصلة التي تربطهم بالله تبارك وتعالى"

ترتكز على إيقاظ الإيمان فإن أي عمل تغييري نقوم به إنما نقوم به من منطلقات ربانية، وتحكمنا ربانية الدعوة التي ننتمي إليها، ومن ميزة الربانية التي تتسم بها دعوتنا أنها ربانية المصدر، بمعنى أنها تتلقى أوامرها من الله، وتسير وفق مراد الله، وما أوجبه الله علينا، وربانية الوجهة : ومعناها أننا نبتغي بكل عمل نقوم به وجه الله وابتغاء مرضاته، من هنا فإننا برآء من مقولة (الغاية تبرر الوسيلة) لأننا محكومون بأن نجعل الوسيلة ربانية أيضا فلا ننهج في التغيير أي وسيلة مرفوضة شرعا، ولو كانت مؤدية لتحقيق الغاية الربانية.

(2) شاملة متكاملة متوازنة:

فالتربية الشاملة المتكاملة المتوازنة نابعة من تكامل منهج الإسلام في إمداد الإنسان المسلم بكل الجوانب اللازمة لصلاح الدنيا والآخرة وكذلك نابعة من إيماننا بشمول المنهج الإسلامي وتكامله وتوازنه فنحن لا نرضى بالإسلام إلا شاملاً كاملاً.كذلك تناسق التكوين واتزانه معرفةً وتصوراً عقلياً وروحاً ووجداناً قلبياً وتصرفاً وسلوكاً حركياً تأخذ الأمور بوسطية واعتدال وتوازن فلا إفراط ولا تفريط فيها، لا تميل إلى جانب على حساب جانب، ولا تبالغ في أمر دون أمر.

(3) متدرجة:

وهذا ينبع من إيماننا بأن التدرج سنة من سنن الله في الكون فإن "المنبت لا أرضًا قطع ولا ظهرًا أبقى" فتنتقل في خطواتها ومراحلها التغيرية وفق معايير متدرجة، ووفق خطوات مدروسة ومرسومة وواضحة المعالم، لا تتعجل النتائج، ولا تستبق الأحداث، ولا تتجاوز درجات السلم التربوي للتغيير المنشود، فمن استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه.

(4) جماعية منظمة:

 فتربيتنا تربية تجميعية فوقوع قليل من قطرات ماء المطر الطاهر في ماء نجس يسلبها صفة الطهارة إلا أن يتجمع من هذه القطرات كم كبير وقدر كثير تربو معه كمية الماء الطاهر على كمية الماء الملوث القليلة. كما أن هذا التجميع يلزمه تنظيم حتى تؤتي هذه التربية الثمرة المرجوة منها وهذا الأمر له أصل في سنة الرسول الكريم ففي بيعة العقبة الثانية يقال أن أهل العقبة كانوا اثنين وسبعين رجلاً وامرأتين أو ثلاثة وسبعين رجلاً وامرأتين فماذا قال لهم رسول الله ؟ قال لهم: "أخرجوا منكم اثني عشر نقيبًا" فإذا ما عددت المتبقي من أهل العقبة وجدتهم ستون فإذا قسمتهم على الاثنى عشر نقيبًا علمت أن كل نقيب كان كفيلاً على خمسة فقد قال للنقباء: "أنتم كفلاء على قومكم" إنه النظام في العملية التربوية.

"ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان، فعليكم بالجماعة فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية" [حديث حسن]

(5) حركية:

فهي دعوة للأمل والفاعلية، ترتكز على البحث عن إيجابيات النفس والبدء بها والتركيز عليها ومحاولة تنميتها، وإضفاء روح الإيجابية البناءة، والتفاعل المثمر، وبث روح الأمل في النفوس، والنظر إلى نصف الكوب الممتلئ بالماء لا الفارغ منه، فالتمكين لفكرتنا الإسلامية والوصول بها إلى واقع الحياة مطلب عزيز المنال، وقد يتطرق اليأس إلى القلوب لولا الخاصية الحركية لتربيتنا فهي تصمد بنا في مواجهة الواقع الأليم الذي نحياه.. فالتربية الحركية تأخذ بالفرد منا فتحركه بإيجابية في المجتمع من حوله وهي بذلك لا تربي بين أربعة جدران ولكنها تعتني بإصلاح عمل الفرد وهو يتحرك بين الناس وتدفعه لإصلاحهم، فالماء الجاري لا ينجس.

(6) مستمرة:

فهي تبدأ من الميلاد الحقيقي للنفس البشرية؛ أي لحظة الالتزام الدعوي والتربوي بل وتبدأ قبل ذلك في سن الطفولة، ثم تمتد بهذه النفس في مسيرة منتظمة مستمرة حتى الوفاة، فهي عملية تربوية لا تتوقف:}واعبد ربك حتى يأتيك اليقين{ [الحجر: 99] ولا يستطيع أحد أن يدعي أنه فوق العملية التربوية، فمهما كانت منزلته فهو مطالب بالعمل على اكتساب مهارات ومعارف جديدة تكون له زادًا للاستمرار في عمله الدعوي.

(7) مثالية واقعية:

فتربيتنا مثالية واقعية  تأخذ في سيرها بالسنن الإلهية في التعامل مع النفس البشرية، وأن هذه النفس لها مقومات وخصائص ومشاعر وأحاسيس يجب أن تراعى، فهي تتعامل مع الكينونية الإنسانية كلها وتعترف بالتفاوت الطبيعي بين الأفراد فإن الناس كإبل مائة لا تكاد تجد فيها راحلة والمُربي عليه أن يكيف نفسه مع الواقع وعليه أن يتقبل ظهور أفراد أقوياء وأفراد ضعفاء رغم اشتراكهم في نفس القدر من العناية والرعاية التربوية؛ وذلك لما بينهم من فروق فردية في الاستعدادات والقدرات.

(8) عالمية:

الإسلام ليس مقصورًا على بقعة معينة أو زمن معين، وبالتالي منهاج التربية الإسلامية شريعة وعقيدة ومنهاج حياة للبشرية جمعاء، كما في قوله تعالى: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الفاتحة: 2]، وفي قوله: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107]، وفي قوله: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ ﴾ [سبأ: 28]، وفي قوله: ﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ ﴾ [التكوير: 27].

 ومن المعروف أن الإسلام وحده الذي تذوب فيه الطبقية والعنصرية، بل يتقدم فيه من كان أهلاً لذلك، وهذا يؤكد على أن "الإسلام هو المنهج العالمي الوحيد الذي يستطيع أن يحكم نظام الكون، هو وحده بين كل مناهج الأرض الذي لا يفرق بين البشر على أساس طبقي أو عنصري أو طائفي"، وكون منهج تربية الإسلام عالميًّا إنما استمد ذلك من عالمية هذا الدين الخاتم؛ فهو خاتم الأديان، ورسوله خاتم الرسل، والكتاب خاتم الكتب؛ لذلك فمنهجه عالمي خالد.

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم