بقلم: أ/ محمد الغنام
العمل الأول في طريق التغيير الاجتماعي هو العمل الذي يغير الفرد من كونه (فردا) إلى أن يصبح (شخصا) وذلك بتغيير صفاته البدائية التي تربطه بالنوع إلى نزعات اجتماعية تربطه بالمجتمع. وتشكيل الفرد اجتماعيا هو عملية (تنحية) أي تخلي الفرد عن عدد من الانعكاسات المنافية للنـزعة الاجتماعية، وعملية اكتساب لانعكاسات أكثر توافقا مع الحياة الاجتماعية، وهذه هي عملية التربية الاجتماعية.
(1) ماهية التربية الاجتماعية
التربية الاجتماعية هي (وسيلة فعالة لتغيير الإنسان وتعليمه كيف يعيش مع أقرانه، وكيف يكون معهم مجموعة القوى التي تغير شرائط الوجود نحو الأحسن دائما، وكيف يُكّونّ معهم شبكة العلاقات التي تتيح للمجتمع أن يؤدي نشاطه المشترك في التاريخ).
2- فهي تهدف أن يتعلم كل إنسان فن الحياة مع زملائه، وكيف يتحضر، أي كيف يعيش في مدرسة، ويدرك في الوقت ذاته الأهمية الرئيسية لشبكة العلاقات الاجتماعية في تنظيم الحياة الإنسانية، كما تهدف إلى أن يشعر الفرد بالروابط التي ينبغي أن توجد بين أفراد المجتمع، ويحاول توثيقها، وأن يدرك معنى التعاون، وأن يسهم بقدر إمكاناته مع غيره لخدمة المجتمع، ومواطنيه، وأن يحترم قيم المجتمع ويتصرف في حدودها.
3- وتتم التربية الاجتماعية من خلال الممارسات العملية في نشاط مشترك، وأعمال تجميعية يخرج فيها الإنسان من حدود ذاته ليشارك الآخرين في عمل حيوي تبدو نتائجه في واقع المجتمع. وتعتبر الأنشطة الرياضية والاجتماعية ومشروعات خدمة البيئة والرحلات والمعسكرات والمؤتمرات وغيرها، مجالات لتحقيق أهداف التربية الاجتماعية.
(2) منهج الإسلام في تربية النـزعة الاجتماعية في الإنسان
ويقوم هذا المنهج كذلك على دعائم نذكر منها ما يلي:
الدعامة الأولى:
- تنمية حب الإنسان لأخيه الإنسان المؤمن، وتلك هي القاعدة التي ترتكز عليها الحاسة الاجتماعية في الإنسان، نلمح هذا من هدى النبي ، عندما وصل إلى المدينة المنورة بعد رحلة الهجرة، إذ آخى بين المهاجرين والأنصار في الله، أخوة سجلت في وثيقة مكتوبة، نقشت في قلب كل مؤمن، حتى إن الإخوة في الله كانوا يتوارثون بمقتضى هذه الأخوة، وظل هذا التوارث ساريا، حتى نزل قول الله تبارك وتعالى: وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [ الأنفال: 75 ]. فألغى التوارث، وبقيت الأخوة في الله على ما كانت عليه من قوة ووثاقة، ولا تزال بين الواعين من المؤمنين حتى اليوم، ولقد تأكدت الأخوة بين المؤمنين بقوله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ
[ الحجرات: 10 ].
الدعامة الثانية:
- استجابة الإسلام لحاجات المجتمع كاستجابته لحاجات الفرد وهذه الحاجات مثل: التعاون والتكافل والتناصر و التواصي بالحق والصبر والتراحم.
- وهكذا تتعدد حاجات المجتمع، إلى غير ما حصر، كحاجته إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وحاجته إلى جلب المصالح، وحاجته إلى درء المفاسد، وحاجته إلى الجهاد في سبيل الله وتجهيز الغزاة، وحاجته إلى الأمن، وحاجته إلى تأمين العيش الكريم لكل أفراده، وما لا حصر له من الحاجات.
وكل هذه الحاجات يستجيب لها الإسلام، ويطالب الناس بأن يعملوا على تحقيقها بشرط أن تكون حاجات مشروعة، تقرها شريعة الإسلام، وبشرط ألا يترتب عليها ضرر بأحد من المسلمين، بل من غير المسلمين، إن كانوا يعيشون في المجتمع المسلم، كأهل الكتاب، وبهذا يرقى المجتمع المسلم، بتعاون أفراده جميعا، على تحقيق حاجاته.
الدعامة الثالثة:
- تحديد الصفات التي يجب أن تسود المجتمع المسلم، ليحقق حاجاته، ويلبي رغباته في حدود ما أحل الله، وليعيش في ظل تلك الصفات، عيشة نقية نظيفة، ويحقق بها سعادة الدارين.
- قال الله تعالي يذكر عددا من هذه الصفات:
فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (36) وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37) وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (38) وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39) وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40) وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (42) وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ [ الشورى: 36 – 43 ].
الدعامة الرابعة:
تأكيد خيرية هذا المجتمع، الذي اتصف بتلك الصفات على كل المجتمعات، وإعطاؤه القدرة على إدارة البشرية كلها نحو الحق والخير.
- قال تعالي في تأكيد هذه الخيرية:
كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [ آل عمران: 110 ].
- وهي ليست خيرية عرقية أو جنسية أو قومية، كما زعمت يهود، وإنما هي خيرية تقوم على الإيمان والعمل الصالح، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والالتزام بتلك الصفات، التي وردت في الآيات الكريمة.
- أي مجتمع تسود فيه هذه الصفات، فهو المجتمع الذي أكد الله له الخيرية، في تلك الآية، من أي جنس كان، أو من أي لون أو لسان.
الدعامة الخامسة:
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
عثمان عبد المعز رسلان: التربية السياسية عند الإخوان المسلمين.
.