القاعدة الحادية عشر: الدعوة فن وقيادة وهى تقوم على التخطيط والمتابعة

بقلم: د/ همام سعيد

يظن كثير من الدعاة أن الدعوة تقوم على قول الكلمة الخيرة في أي وقت وفى أي مكان، وأنها تسير بطريق عشوائي يستوي فيه الدعاة على اختلاف إمكانياتهم، ومما لاشك فيه أن هنالك دعاة آتاهم الله تعالى قدرة فائقة على التبليغ، وتراهم يَألفون ويُؤلفون، وقد ألقى الله لهم القبول في قلوب الخلق، وهنالك دعاة لا يحالفهم التوفيق في المنطق والأسلوب، وكلا الفريقين بحاجة إلى مبادئ الدعوة وأساليبها والتدرب عليها، وبذلك تكون الدعوة فناً يُتلقى، وقواعد وأساليب تُطوَّر، ووسائل تتأثر بالتحديث والمعاصرة.

والتخطيط الواعي هو الذي ينقل الدعوة إلى الإطار الفني المنتج، والتخطيط هو التصور النظري لسير الدعوة، وكلما طال التخطيط واستوعب عناصره أدى إلى النتيجة المتوقعة بعون الله وبعد الاتكال عليه.

وكما عُرِفت أنواع التخطيط؛ الاقتصادية والسياسية والتربوية؛ فإن على الدعاة أن يتجهوا نحو التخطيط للدعوة، والخطة الواعية رأسها الأهداف، وجسمها الوسائل، والربط بين الأهداف والوسائل عن طريق الأساليب، ومادتها الإمكانيات البشرية والمادية والمعنوية، وموجهها المتابعة والتقييم، وثمرتها ظهور الأهداف على شكل نتائج ملموسة.

أما الأهداف: فهي الغايات من وراء الأعمال والوسائل، وتأتي في الإجابة على السؤال الذي يوجهه الداعية لنفسه: لماذا أدعو؟ وماذا أريد؟ والإجابة على هذا السؤال هي مبدأ كل عمل من الأعمال وعلى ضوء الجواب يتحدد الجهد المطلوب والزمن الكافي والوسائل والأساليب والتوقعات.

والجدير بالذكر أن اختلاف الدعاة في الإجابة على هذا السؤال هو الذي يجعلهم يختلفون في الجماعات والانتماءات.

وهنالك نوعان من الأهداف:

الأول: الهدف الأكبر الذي هو الثمرة الرئيسية.

الثاني: الأهداف المرتبطة بأزمنة محددة وأمكنة معينة أو أفراد معينين، أو تسعى لتحقيق الوسائل وتوفيرها، وهذه الأهداف بعضها يُسَلِّم للآخر، وبعضها أكبر من بعض، وكلها يستوعبها الهدف الكبير والغاية العظمى، ويحدث أحياناً خلط بين الأهداف الصغرى والأهداف الكبرى، وعندما تقل إنتاجية العمل ويستنفد الدعاة جهدهم بعيداً عن الهدف الأكبر فبعض الدعاة يجيب على السؤال لماذا أدعو؟

فيقول: أدعو إلى تزكية النفوس لقول الله تعالى : {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا 9 وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا}[ الشمس:9 - 10]، وللوصول إلى هذا الهدف نجمع المريدين، ونطبق عليهم نظاماً يقوم على  الأوامر السلوكية والأوراد والأذكار، وينبغي أن يصرف الاهتمام كله لهذا الهدف.

وداعية آخر يقول: الهدف إعانة الفقراء والمساكين والإحسان إليهم لقول الله تعالى: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ 42 قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ 43 وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ}[المدثر:42 - 44] ولتحقيق هذا الهدف لابد من دعوة أهل الخير إلى الإحسان وبذل الصدقة وإيتاء الزكاة وإنشاء الجمعيات الخيرية خير وسيلة لتحقيق هذا الهدف.

وداعية ثالث يقول: الهدف تحرير المسائل العلمية المختلف فيها وجمع الأحاديث الصحيحة، ولتحقيق هذا الهدف لابد من عقد حلقات العلم وإنشاء المدارس والمؤسسات المتخصصة وطباعة الكتب.

وداعية رابع يقول: الهدف هو الوصول بالمسلمين إلى  درجة عالية من الوعي السياسي، الذي يطلعهم على مخططات الأعداء، وما يستخدمونه من الوسائل لتنفيذ هذه المخططات، وتحقيقاً لهذا الهدف فلابد من القيام بالدراسات المتخصصة العميقة والاطلاع على  ما يقال وينشر عن الإسلام.

إلى جانب هذه الأهداف نجد بعض الدعاة يرضى بأهداف أصغر من ذلك، كأن يكون الهدف تشويه صورة جماعة ما باعتبارها حجر عثرة في طريق العمل الإسلامي، أو صرف الاهتمام نحو شخص معين يرى أنه السبب الرئيسي في مشاكل المسلمين وقضاياهم.

وبالرغم من أهمية بعض هذه الأهداف إلا أن السؤال يبقى قائماً: هل هناك أهداف أكبر وأشمل؟

وإن نظرة سريعة إلى مستويات الأهداف تجعلنا نقول: الهدف الكلي مقدَّم على الهدف الجزئي.

الهدف الذي يستغرق جميع قطاعات المجتمع مقدم على الهدف الذي يتناول فرداً أو فئة.

الهدف الدائم مقدم على الهدف المؤقت المنقطع.

الهدف الممكن مقدم على الهدف غير الممكن.

الهدف الأعلى مقدم على الهدف الأدنى.

وهكذا فإنه من الممكن أن يصاغ الهدف الأكبر على الشكل التالي:

الهدف الكلى: الأعلى، الممكن، المستمر، الذي يستغرق جميع قطاعات المجتمع.

عبادة الله أعظم الأهداف:

ولا يشك أحد من الدعاة في أن أعظم الأهداف وأشرفها هو ما قرره الله تعالى هدفاً للإنسان وغيره وهو هدف العبادة لقول الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}[الذاريات:56] وقد حمل المسلمون هذا الهدف، ومن أجله انطلقوا يعبرون الصحاري والقفار، ويقارعون الجبابرة، وقد عبَّر عنه ربعي ابن عامر أمام قائد الفرس: (جئنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة الله ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة).

العبادة هدف للفرد والجماعة والدولة:

وبناء على هذا فإن هدف الجماعة المسلمة والفرد المسلم والدولة المسلمة هو تحقيق العبودية لله رب العالمين، وأما الأهداف الخاصة فهي جزئية ومرحلية  أو إقليمية محلية أو خاصة محدودة، والعمل اليومي أو الشهري أو السنوي له أهدافه الخاصة، والعمل في القرية أو المدينة أو العشيرة أو العمال أو الطلاب أو النساء له أهدافه الخاصة وكل مكون من مكونات المجتمع إنما يتحقق وفق أهداف خاصة.

الوسائل:

وأما الوسائل فمنها المباشر ومنها غير المباشر، ولكل هدف جزئي وسائله الخاصة، فإذا قلنا: إن العبادة تتحقق من خلال العابد القوى في عقله وروحه وجسده، فإن وسائله خاصة كثيرة تتوارد من أجل هذا الهدف، والإمكانيات والمعلومات تتدخل في استخدام الوسائل، ولست هنا بصدد تقديم خطة دعوة وإنما المقصود إعطاء صورة عن عناصر الخطة ومكوناتها.

والوسائل تستخدم بأشكال مختلفة وأساليب عدة، والأسلوب الأفضل يعطي من الوسيلة كفاءة أكبر، واختيار الأسلوب المناسب عامل كبير في نجاح العمل.

ومن الأساليب: اللين والشدة، والترغيب والترهيب، والكثرة والقلة، والسر والجهر، والفردي والجماعي، والتاريخي والوصفي، والعقلي والعاطفي، والألم والأمل، والأخذ والعطاء.

جمع المعلومات أساس الخطة:

ولما كانت الخطة تصوراً عن عمل في مكان خاص وزمان محدود، وأناس محدودين كان لابد من جمع المعلومات عن البيئة، سواء أكانت اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية أو مناخية أو طبيعية أو فكرية، ولابد من معرفة مراكز القوة والضعف، ولا بد من التعرف على العوائق والحوافز، وبذلك تكون الدعوة إلى الله على بصيرة: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}[يوسف:108].

الزمن عنصر فعال في الخطة:

و الزمن عنصر فعال في الخطة يدل على مدى النجاح أو الفشل فما يحتاج إلى يوم واحد لا ينبغي أن يصرف فيه شهر، وما يحتاج  شهراً من الزمن لا ينبغي الإسراع في إنجازه في يوم أو أسبوع.

والمراجعة والتقييم بعد انتهاء مدة الخطة تساعد على معرفة الممكن من غير الممكن، والسهل من الصعب، والمراجعة تقدم هدفاً أو تؤخره، وتحكم على فاعلية الوسائل أو عدم فعاليتها، وتكشف عن جدوى الأساليب أو عدم جدواها.

العين الساهرة:

و المتابعة عين ساهرة  وأذن صاغية ويد مؤيدة، والخطة القوية قد تفشل بلا متابعة والخطة الضعيفة قد تنجح مع المتابعة المستمرة.

فإذا توافرت هذه العناصر فقد وجدت الخطة العلمية الواعية، ثم يوكل أمر تنفيذها إلى العناصر البشرية المدربة المنظمة، وإعداد المنفذين فإن علوماً كثيرة أصبحت اليوم على درجة من الأهمية للداعية، فالعلوم الإدارية، وعلوم الاتصال بالأفراد والجماعات، والعلوم اللغوية والبلاغية، والعلوم النفسية والتربوية، هذه وغيرها تُعِدُّ الداعية المنفذ للخطة.

والداعية الناجح صاحب المبادرة وبديهة حاضرة وقدرة على التصرف في أسوأ الظروف، وقبل أن يفاجأ بالمواقف الصعبة فإنه يفترضها، ويتصورها، ويلتمس لها الحلول، وهكذا فإنه يستعين بالموقف الوهمي الذي افترضه سابقاً على الموقف المفاجئ.

 

للاطلاع على السلسلة: د. همام سعيد يكتب: قواعد عامة في الدعوة إلى الله

 

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم