لا أحد يستطيع أن ينكر الدور الذى لعبته وتلعبه الأنشودة في مجال التربية.. سواء كانت تربية صغار أو تعبئة وتربية شعوب، وقد استخدم الإنسان منذ القديم الأنشودة الشعرية لإحداث تغييرات في اتجاهات الناس وتعبئتها مع أو ضد قضية معينة.
وقد استخدم القوميون الأنشودة لتربية الشعوب على مفاهيم الوحدة العربية وضرورتها ومميزاتها وكونها بعدا لابد منها للوجود العربي، كما استخدمها الإسلاميون في إعادة نشر مبادئ الإسلام وبناء القيم الإسلامية في نفوس الشعوب العربية، بعد غياب متعمد للإسلام عن العقل العربي؛ لتعود الصحوة الإسلامية مستخدمة عدة وسائل لتربية الشعوب على معاني الإسلام وكان من بين تلك الوسائل الأنشودة، وراجت تجارة الكاسيت الإسلامي المحمل بالأناشيد الإسلامية وشكل شغفا كبيرا عند الصغار والكبار، ولعب دورا تربويا مهما في غرس القيم الإسلامية في نفوس الناس.
وقد تم استخدام الأنشودة التربوية على نطاق واسع في مجال الحملات القيمية، للنهى عن قيم مناوئة لقيم المجتمع، أو للحث على قيم إسلامية يهجرها الناس ويعملون بقيم مغايرة.
واستخدمت الأنشودة في مجالات الحروب و قضايا التحرر مثل القضية الفلسطينية، التي لعبت الأنشودة دورا مهما في توعية الشعوب بعدالة القضية، وتوضيح معانٍ مهمة لدى الأجيال التي لم تشهد عصور الحروب مع العدو الصهيوني، لتجدد القضية في وعى الأجيال الجديدة.
وقد كان للأنشودة أثرا مذهلا في نفوس الصغار والشباب الفلسطيني خاصة، فنجحت في صناعة جيل مؤمن بقضيته، عازمٍ على مقاومة الاحتلال بكل الوسائل، حتى نيل الحرية المنشودة.
وتخطى تأثير الأنشودة الخاصة بالقضية الفلسطينية إلى ما وراء الحدود الفلسطينية، فاستخدمتها الحركات الإسلامية لإعادة القضية إلى الوعي الشعبي العربي والإسلامي، فخدمت الأنشودة الداخل الفلسطيني في نقل انتفاضاته وكفاحه، وخلق حالة من الوعي بجرائم الاحتلال وعدالة الحق الفلسطيني في بلاده، أكثر مما خدمته ونقلته الأخبار التقليدية.
وبفضل الأنشودة نشأ الصغار فى العالم العربي والإسلامي ينشدون عن الأقصى وعن فلسطين وعن الحق الفلسطيني وعن تحرير المسجد الأقصى وأرض فلسطين!
وتطورت صناعة الأنشودة التربوية مع ظهور الفضائيات تطورا من حيث الجودة الفنية وجودة الأداء وغزارة المحتوى وتنوعه، حتى صار لها فضائيات خاصة تعرض سيلا متدفقا من الأناشيد المغناة للأطفال، حتى صارت أشبه بصناعة خاصة لها رجالها وجمهورها وتأثيرها.
إلا أنه وبعد الربيع العربي وتغيرات المنطقة كان ثمة تراجع في الاهتمام بإنتاج الأنشودة التربوية، حيث تركزت الجهود الفنية على المشكلات المستحدثة في سوريا والعراق واليمن وغيره من المناطق التي تشهد توترات، وبدأ الاهتمام بإنتاج الأنشودة التربوية الإسلامية يتراجع، وهو ما ينذر بالخطر، إذ كانت الأنشودة التربوية الإسلامية تلعب دورا كبير في تشكيل وعي الأجيال الجديدة تشكيلا متوائما مع قيم الإسلام والاعتزاز بالثقافة والحضارة الإسلامية ووحدة الأمة وقوتها وتحررها من نيران الاستعمار.
وباتت الضرورة تحتم علينا أن نضع الأنشودة التربوية في قائمة أولوياتنا، إذ لا نصر بدون وعي، ولا وعي بدون قائمين على تشكيله، ولا تشكيل بدون أدوات، ولا أدوات مكتملة بدون الأنشودة التربوية، والنداء موجة للجمعيات الخيرية الإسلامية في العالم العربي والإسلامي، والمهتمين بقضايا التربية والأخلاق والقيم والتماسك الاجتماعي والنهوض الحضاري، للعمل على إعادة الروح إلى تلك الصناعة التي مثلت أحد معاول البناء التربوي قيما وسلوكا وأخلاقا، ليس الصغار وحدهم وإنما للأمة جمعاء.
.